2 - 2 - 3 إشكالية القول بأن الطائفة المنصورة هي فئة العلماء


الفصل الثاني المبحث الثاني: دورها الجهادي 

المطلب الثالث: إشكالية القول بأنها فئة العلماء 

يتبيّن بعد التتبع والبحث للأقوال التي تحدد فئة الطائفة المنصورة بالعلماء والفقهاء، وعرضها، ومناقشة الأدلة التي قادت إلى هذا الرأي، والحجج التي سيقت في المصنفات والكتب، أن هذا القول هو:

∎ رأي متأخر، لم يذهب إليه العلماء المتقدمون من السلف ولا سيما علماء الحديث، وأقدم الأقوال الصريحة التي عُرف أصحابها هو قول لأبي عبد الله القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر (611–671 هـ)، صاحب كتاب التفسير: (الجامع لأحكام القرآن).

∎ ليس في ألفاظ الحديث وسياقه دلالة مباشرة إليه، أو برهان بأن المراد بالطائفة جماعة العلماء؛ فليس في الحديث ذكر لهم أو لعملهم أو أدواتهم، وغيرها، وإنما فهمه بعضهم من مجمل بعض الألفاظ، أو من زيادة الحديث من طريق معاوية.

ولا تقف إشكالية القول بأن الطائفة المنصورة هي العلماء، عند عدم توفر الدليل أو الأقدميّة، بل يتعارض مع نقليات وعقليات سليمة، فمن تعارضه مع المنقول، ما روي في الصحيحين وغيرهما عن قبض العلماء، وانقراضهم في آخر الزمان.

ومنه قول رسول الله ﷺ: “إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جُهّال، يُستفتون فيُفتون برأيهم، فيَضِلّون ويُضلّون»[1]، قال ابن حجر: «واستُدل بهذا الحديث على جواز خلو الزمان عن مجتهد...؛ لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء، وفي ترئيس أهل الجهل ومن لازِمُه الحكم بالجهل»[2].

إذا سلّمنا بلزوم أن يكون أفراد الطائفة من النخبة العلمية والثقافية للمجتمع، ومن العلماء والمجتهدين، هل سنشترط على عامة المسلمين، حتى أصحاب القدرات الذهنية المحدودة، حفظ المتون والأسانيد والمنظومات والأراجيز، ومعرفة أنواع العلوم والفنون، لكي تتاح لهم فرصة المشاركة والانضمام في ركب الطائفة المنصورة؟

وقال النووي: «قوله : (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء...)، هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفّاظه، ولكن معناه: أن يموت حملتُه، ويتخذ الناس جهالًا يحكمون بجهالاتهم، فيَضلّون ويُضلّون»[3].

ويفيد هذا الحديث بامتناع استمرار العلماء في آخر الزمان، أو أنهم يصبحون قليلون، وليس لهم دور مؤثر وفاعل، وفي المقابل، دلّت بعض الأحاديث على استمرارية الجهاد إلى يوم القيامة، وهذا يوافق استمرارية وجود الطائفة المنصورة، وقيامها على دين الله ﷻ إلى أن يأتي وعده وأمره.

كما أن تفرق العلماء في أمصار الأمة من الهند وحتى شنقيط، وهو أمر ضروري مصلحيّ، يتعارض مع أحاديث الطائفة المنصورة التي عيّنت مكانها، وحددته بالشام وبيت المقدس.

ومن إشكالية التعارض مع العقل، حرمان عامّة الناس من فرصة الانضمام إلى ركب الطائفة المنصورة، وهم يمثلون الشريحة العظمى من مجموع المسلمين، فإذا سلّمنا بلزوم أن يكون أفراد الطائفة من النخبة العلمية والثقافية للمجتمع، ومن العلماء والمجتهدين، هل سنشترط على عامة المسلمين، حتى أصحاب القدرات الذهنية المحدودة، حفظ المتون والأسانيد والمنظومات والأراجيز، ومعرفة أنواع العلوم والفنون، لكي تتاح لهم فرصة المشاركة والانضمام في ركب الطائفة المنصورة؟ أم يكفيهم الإيمان الصادق، والعمل به وفق منهج الإسلام، وحسب استطاعتهم وما حباهم الله من المهارة والمقدرة؟

إن الإقرار بأن مهمة القيام على الدين منوطة بالعلماء دون غيرهم، سيدفع عامة المسلمين إلى الفتور وقلة الاهتمام بأمور دينهم، وكأنهم عاجزون أمام مهمة مستحيلة عليهم.



[1] صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يذكر من ذم الرأي..، حديث: (7307)، ص: (1532).

[2] ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ص: (24/86).

↩ عودة 

[3] النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب العلم، باب: رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، ص: (16/342).

↩ عودة 

قد تُعجبك هذه المشاركات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق