الفصل الثاني: حقيقة الطائفة المنصورة ودورها
المبحث الخامس: من هي في زمننا؟
علمنا من دلالات الحديث ومن أقوال العلماء
في صفة الطائفة أنها متبعة للسنة ومقتدية بالهدي النبوي الشريف، تحفظ الدين
وتحرسه، وتقاتل أعداء الله الغازين لدياره، وأنها تكون في الشام، وهذه الصفات هي «في الأصل تكاليف شرعية شاء الله أن
يخلق لها أقوامًا يستجيبون لها ويأخذونها بقوة»[1]، وهي خصائص قابلة لأن تتوافر في أي فرد أو
مجموعة من المسلمين، وهي «منهج وسمات، من توفرت فيه، فهو منها»[2]، فباب الطائفة المنصورة مفتوح مشروع لكل
الأمة، ولا يمكن احتكاره بأي شكل، وإنه ليسير لمن يسره الله له.
ولذلك قال ابن تيمية عن مجاهدي الأمة
المعاصرين له، في عهد المماليك، يحثهم على قتال التتار ورد عدوانهم: «هم من أحق الناس دخولًا في الطائفة
المنصورة التي ذكرها النبيﷺ»[3]، وشارك بنفسه في آخر المعارك ضد المغول
والتتار في بلاد الشام، في معركة شَقْحَب (2 رمضان 702 هـ/ 1303 م).
والجهاد الفلسطيني اليوم، حاله حال بداياته، يشترك في انتفاضاته جميع فئات المجتمع الفلسطيني، أفرادًا ومؤسسات وتنظيمات، ونجد فيه تعددًا فكريًا ومذهبيًا غير متجانس، فكل من تنطبق عليه صفات الطائفة المنصورة فهو منها، فمن كان مقتديًا متبعًا لنهج النبي ﷺ في حياته، وفي عباداته ومعاملاته، وكان مجاهدًا بما قدّره الله عليه، غير قاعد عن الجهاد أو متخاذل عنه، فهو في ركب طائفة الحق المنصورة بإذن الله
ومدح ابن تيمية المجاهدين الذين كانوا قبل
زمانه، وقاتلوا الصليبيين وحرّروا بيت المقدس على وقع معاركهم، وأطلق على القائدين
العظيمين صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي، لقب (ملوك السنة)، فقال: «إلى أن يسّر الله تعالى بولاية ملوك السنة
مثل: نور الدين وصلاح الدين وغيرهما، فاستنقذوا عامة الشام من النصارى»[4]، أي من الصليبيين.
وبين هؤلاء وهؤلاء، كان القادة المماليك
الظاهر بيبرس، وسيف الدين قلاوون، وابنه الأشرف صلاح الدين خليل وغيرهم، ممن
أكملوا مسيرة حماية المقدسات وحفظ الدين في تلك المرحلة الصعبة التي مرت بها
الأمة، وقاتلت فيها على جبهتي الصليبيين والمغول خلال قرنين من الزمان، منذ الحملة
الصليبية الأولى سنة (494 هـ) إلى معركة شقحب آنفة الذكر.
وعلى مدار التاريخ الإسلامي كانت الشام
الميدان الذي تتكسر عليه الهجمات والضربات التي توجه إلى قلب الأمة الإسلامية
وأراضيها المقدسة، وكانت جيوش الطائفة المنصورة تخوض المعارك الكبرى على أرضها،
وتعبرها إلى الأماكن التي حولها لتحارب الأعداء الغازين.
وعندما تمكن البرتغاليون من السيطرة على
معابر الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر في أواخر عهد المماليك، واجههم
العثمانيون الذي ضمّوا بلاد الشام ومصر في ذلك الوقت في نطاق حكمهم، ونجحوا في
إبعادهم عن المنطقة والجزيرة العربية في عهد السلطان سليمان القانوني (927-974هـ)
(1520-1566م)[5].
وقال الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي عن
مجاهدي زمنه في فلسطين الذين قاوموا الانتداب البريطاني ورعاياه اليهود في النصف
الأول من القرن العشرين، وأشعلوا في مواجهتهم الثورات الشعبية والانتفاضات في
الأعوام: (1929 م)، و(1933)، و(1935)، و(1936-1939). ولمع من أسماء المجاهدين خلال تلك الحقبة
القادة الشهداء: محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، والشيخ عز الدين القسام،
وعبد القادر الحسيني، وغيرهم؛ قال الشيخ: «فغير بعيد، أن أول ظهور هذه
الطائفة المجاهدة في سبيل الله، المتمسكة بالحق إلى قيام الساعة، الطائفة المجاهدة
اليوم في فلسطين، وإن سمّاها أعداء الدين بالثوّار، وأنهم لا يزالون منصورين،
وبالحق متمسكين إلى أن يرأس هذه الطائفة المهدي المنتظر، ثم بعد ذلك ينزل عليها
عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان»[6].
وما يُلفت النظر في كلام الشنقيطي أنه قاله
في زمن كان باب الجهاد والمقاومة مفتوحًا في عدة دول عربية في وقتها، وكان الجهاد
في فلسطين في بداياته، فبعد أن سقطت الأقاليم العربية تحت الاحتلال البريطاني
والفرنسي والإيطالي، لم تستقل، قبل وفاته سنة (1943م)، أي دولة عربية غير مصر (1920م)، فهذه نظرة في غاية الأهمية تتعلق
بالطائفة المنصورة والشام من عالم ومحدّث جليل.
وبعدما تبين من الدلائل والقرائن في هذا
البحث، فإن المجاهدين على أرض فلسطين اليوم الذين يذبّون عن بيت المقدس يمثلون
الطائفة المنصورة في هذا الزمن، وذهب إلى هذا الشيخ يوسف القرضاوي[7]،
والدكتور عبد العزيز كامل[8]،
وغيرهما، ولست أعني أن الطائفة محصورة في هذه الحدود، ولكن هذا هو المشاهد
والظاهر.
والجهاد الفلسطيني اليوم، حاله حال بداياته،
يشترك في انتفاضاته جميع فئات المجتمع الفلسطيني، أفرادًا ومؤسسات وتنظيمات، ونجد
فيه تعددًا فكريًا ومذهبيًا غير متجانس، فكل من تنطبق عليه صفات الطائفة المنصورة
فهو منها، فمن كان مقتديًا متبعًا لنهج النبي ﷺ في حياته، وفي عباداته ومعاملاته، وكان
مجاهدًا بما قدّره الله عليه، غير قاعد عن الجهاد أو متخاذل عنه، فهو في ركب طائفة
الحق المنصورة بإذن الله.
ومع الإيمان بأن المشاركة في ساحة الجهاد ضد الاحتلال الاسرائيلي هي من العمل المحمود لكل شخص بغض النظر عن مذهبه أو دينه أو فكره، فإن الجهاد المندفع المستمر المنتصر، على الأرض المقدسة، ينحصر قصرًا في طائفة الحق كما أخبر النبي ﷺ، وهذا كونها موجودة دائمًا، ولن يتعارض مع مقاومتها وجهادها طرف آخر يدعي ما تدعيه، ويخالفها، ثم تكون له الغلبة، ولن يضيرها من يخالفها أو يخذلها كما جاء في الحديث.
والطائفة المنصورة ليست أسماء تحصى، وتسجّل في سجلات، وتلقى على المسامع، بل هي تيسير من الله، وقضاء تأييد وعون ونصرة لجنوده المؤمنين، الذين يميلون مع الحق، ويتمسكون به، ويثبتون على ما كان عليه النبي الخاتم ﷺ، وأصحابه، ومن بعدهم من المؤمنين، والله يصطفي من يشاء ويختار.
[1] رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، مجلة البيان، الرياض، مجلة البيان – المنتدى الإسلامي، ط 1، (1425 هـ/ 2004 م). ص: (50).
[2] العودة، صفة الغرباء، ص: (206).
[5] الصلابي، علي محمد، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط 1، (1421 هـ/ 2001 م). ص: (196).
[8] كامل، عبد العزيز مصطفى، العلمانيون وفلسطين ستون عامًا من الفشل، كتاب البيان - سلسلة تصدر عن مجلة البيان. ص: (153).
وعبد العزيز مصطفى كامل هو كاتب مصري، وعضو مجلس إدارة مجلة البيان، حاصل على دكتوراه في الشريعة من جامعة الأزهر، درس الماجستير في جامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية، وعمل محاضرًا بجامعة الملك سعود قبل أن يتفرغ للكتابة في المجلات الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق