2 - 4 صفات الطائفة المنصورة وطبيعتها


الفصل الثاني: حقيقة الطائفة المنصورة ودورها 

المبحث الرابع: صفات الطائفة المنصورة وطبيعتها 

ما هي الصفات التي يجدر بطائفة الحق الاتصاف بها؟ لو شاء أحدنا، لذكر عددًا كبيرًا من الصفات النبيلة التي تستحقها هذه الطائفة، الصفات التي تؤهلها لتصبح الأنموذج المحتذى بين باقي فئات وطوائف الأمة.

ولكن الحديث الشريف حدّد ثلاث صفات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، تؤهلها للقيام بواجبها على أكمل وجه، ومواجهة التحديات والعقبات المختلفة التي تمر بها الأمة، وهي: اتباع سنة رسول الله ﷺ، والجهاد في سبيل الله، والاستمرار في أداء دورها، ولو اختلت صفة واحدة من هذه الثلاث لاختل أداؤها وعملها، وفشلت في النجاح والتوفيق في المهمة والدور المناط بها.

الصفة الأولى: اتباعها لسنة الرسول ﷺ

جاء وصف الطائفة المنصورة في الحديث بعدة صفات ترجع كلها إلى وصف واحد، ألا وهو الاتباع لهدي النبي  والسير على ما كان عليه صحابته الكرام، وهو وصف شامل لأول ما ذكره النبي  من الصفات في مقدمة الحديث في قوله: (قائمة بأمر الله)، و(على أمر الله)، و(على الدين)، وهو وصف لا عدول عنه للظهور على الحق، ومن مقتضياته، وهو ما أكد عليه أئمة الأمة الأوّلون مرارًا بقولهم: هي أهل الحديث.

 والمقصود من هذا الوصف الاقتداء والتمسك بما كان عليه النبي ، واتباع منهج أصحابه الكرام في الدين والدنيا، وهو يشمل الاعتقاد والسلوك والعبادة، دون ابتداع ما لم يأمر به الدين ويشرعه، أو السير وراء الهوى وحظ النفس والتعصب للرأي، وما يجدر بالمسلم الحقيقي التمثل به أن يفعل ما أمره الله به، وينتهي عما نهاه عنه، ولو على نفسه.

وهو وصف يقتضي التتابع والتعاقب جيلًا بعد جيل، وزمنًا وراء زمن، ويقتضي جمع كلمة الأمة، والاعتصام بالكتاب والسنة والعضّ عليهما بالنواجذ، إذ لو اتصف به الجميع لاستلزم منهم عدم التفرق والاختلاف، وهو وصف يميز من بقي على هذا الطريق الحق الواحد المنفرد، الذي لا يشابهه طريق، وبين من اتخذ السبل والطرق المتعددة التي تختلف كلها في أهواء وبدع تضلها.

ويقتضي هذا الوصف الولاء لله عزو جل ومحبته، والنصرة للمؤمنين به والانضمام إليهم ظاهرًا وباطنًا، والبراء من أعدائه، والبعد عن الكافرين به، وعدم السير على خطاهم ومنهجهم.

الصفة الثانية: جهادها في سبيل الله

وهو الوصف الذي برز في مناسبة ورود الحديث إذ أنكر رسول الله  بشدة على من ادعى أن الجهاد توقف، وأبى على الناس الذين وضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، وميّزه النبي  عن غيره من الأوصاف، بأن ذكره بصيغة الفعل المضارع، بينما جاءت باقي الأوصاف بصيغ اسم الفاعل واسم المفعول، كما في قوله: (يقاتلون على أمر الله)، و(يقاتلون على الحق)، و(يقاتلون على الدين)، وهو الوصف الوحيد المباشر الذي لا يحتمل التردد أو التعدد في الإشارة إلى من تكون الطائفة المنصورة المجاهدة.

وهو وصف أصيل ثابت في الحديث، وورد بكثرة في روايات أربعة عشر صحابيًا، وهو يليق بأعلى طوائف الأمة مكانة، فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، والقتال أعلى مراتب الجهاد، وأسمى أفضاله، والجهاد كما سبق نقله عن ابن تيمية: ينتظم فيه سنام جميع الأحوال الشريفة[1].

وهو وصف موجب للهداية، وهذه طائفة هادية مهدية بالحق الذي تحمله، فقد روي عن بعض أئمة السلف: كسفيان بن عيينة، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل: "إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: ﴿وَٱلَّذِینَ جَـٰهَدُوا۟ فِینَا لَنَهۡدِیَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ"[2](العنكبوت: 69).

الصفة الثالثة: استمرارها في أداء دورها

وهذا الوصف لازم لجميع صفات الطائفة المنصورة، ونجدها في الأفعال الناقصة: (لا يزال)، و(لا يبرح)، التي بدأ الحديث بها في جميع الروايات، وهو وصف يميّز صفات الطائفة عمّن يشبهها من طوائف الصالحين الأخرى، وإن عملوا بعملها وقاموا بدروها في بعض الأزمنة، ويميز مكانها وموضعها عن باقي الأماكن في الأمصار.

فصفاتها دائمة وثابتة فيها كثبات دورها ومهمتها على مدار عمرها الطويل، ولا سيما الصفتين الأساسيتين المذكورتين آنفًا، فاستمرارية الاتباع والاقتداء بهدي النبي  لا يجدر أن تكون في موقف دون موقف، أو زمان دون آخر، وقتال أعداء الله لا يجدر القعود عنه، وانقطاعه حين يجب قتالهم، ومنعهم من الاعتداء على بلاد المسلمين، وهي استمرارية تسير مع عمر الأمة وحياتها، حتى يأتي أمر الله كما جاء في الحديث.



[1] أنظر الأدلة والدلالات في المطلب الأول من مبحث دورها الجهادي، وهو المبحث الثاني من الفصل الثاني.

[2] انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ص: (28/442)، والقرطبي، لجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق، ص: (16/391).

قد تُعجبك هذه المشاركات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق