أحمد الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به على
الأمة الإسلامية، في أزمانها، بوجود طائفة قائمة على الحق منصورة، وأحمده بأن
وفقني في تقديم هذا البحث الذي يتناول موضوع: (الطائفة المنصورة، حقيقتها ودورها)،
وقد بذلتُ الوقت والجهد لكي يخرج بأفضل ثوب، ولا أدّعي الكمال فيه، ولكني أرجو أن
يقدّم قيمة علمية جديدة، تؤدي إلى عمل ومبادرة مفيدة، تنفع الأمة في زمنها الصعب،
وترتقي بدرجات المؤمنين يوم لا ينفع مال ولا بنون، فليس للإنسان إلا ما سعى، وكل
امرئ بما كسب رهين، فإن وُفقت فمن الله التوفيق، وإن أخفقت فمن تقصيري، وعليّ
بالتدقيق.
وبعد تناول البحث ودراسة جوانبه، ومناقشة
مسائله وأبوابه، وفق الخطة التي جرى تقديمها، توصلتُ إلى النتائج التالية:
1.
أحاديث الطائفة المنصورة هي مِنْ أثبت وأوضح
النصوص النبوية الشريفة المبشرة بانتصار الإسلام وظهوره بالحق على أعدائه.
2.
الطائفة المنصورة هي مجموعة من المسلمين
يمثلون الأنموذج والمثال الحقيقي للاقتداء والامتثال لسنة المصطفى ﷺ مهما تقادم الزمن، ولا يحيدون عن ذلك.
3.
هي موجودة في زماننا، وفي كل زمان عبر
التاريخ، ولا تغيب حتى في زمن الفتن وانتشار الشرك، وفي أحلك الظروف التي تفتر
فيها الأمة وتضعف.
4.
أحق الناس بتمثيلها هم المجاهدون على أرض
الشام، في بيت المقدس وأكنافه، غرب المدينة المنورة، الذين يقاتلون ببسالة وجدارة
أعداء الإسلام الذين يحاولون غزو عقر ديار المسلمين، واستباحة بيضتهم، ونشر باطلهم
بالسيطرة عليها، فقول العلماء بأنها المجاهدون هو قول ممتد منذ زمن أئمة السلف
وعلماء الحديث الأوائل، وهو مراد في الحديث الشريف، ومن دلالات ألفاظه المباشرة
والواضحة، ويدل عليه مناسبة ورود الحديث، وزمنه، وسياق موضوعه، ومن أهم صفاتها
أنها تقاتل أعداء الله من أجل إظهار الحق والدين، ومثله قولهم بأنها في الشام، ولم
تذكر الأحاديث غير الشام مكانًا وموضعًا لها، والشام هي نقطة التقاء وتجمع
لأفرادها، وليس بالضرورة مكان سكنى، وهي ميدان عملياتها الجهادية الرئيس.
5.
القول بأنها فئة العلماء هو قول متأخّر، لم
يذهب إليه أئمة السلف، وليس في أحاديث الطائفة المنصورة قرينة تدل عليه، لا في
الدلالات، ولا في مناسبة الورود أو غير ذلك، والفرق بين فئة المجاهدين وفئة
العلماء فرق كبير، وبينهما تباين لا يمكن تجاهله في طبيعة عملهم، وأدواتهم، وظروفهم،
ومن شأن التسليم بأن الطائفة المنصورة هي العلماء دون غيرهم، أن يخرج الحديث
الشريف عن الغرض الذي قيل من أجله.
6.
العدو التقليدي الذي قاتلته الطائفة
المنصورة عبر تاريخها الطويل هم الروم الذين حاولوا مرارًا، ولا يزالون، السيطرة
على البلاد الأخرى عنوة، ونهب خيرات الشعوب، والقضاء على الإسلام وضربه في عقر
داره، وذلك عبر تهديدات البيزنطيين للثغور الشامية، والحملات الصليبية، والحملات
البحرية البرتغالية، وحملة نابليون الفرنسية، ثم الاستعمار الحديث، وتسليم
بريطانيا فلسطين للإسرائيليين، والدعم الأمريكي-الأوروبي الحثيث لها، وهو ما نراه
في يومنا هذا، وذلك مع وجود أعداء آخرين ولا سيما المغول والتتار الذين كان
هجومُهم خاطفًا، ورجّحوا كفة العدو التقليدي.
7.
يقع على عاتق الطائفة المنصورة دور في غاية
الأهمية، يتمثل في حفظ الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين، في حالتي: الوجود والعدم،
أي العمل على نشره للناس، ومنع تراجعه وانكساره، ويقع على عاتقها وظيفة خطيرة
تتمثل في حفظ أمن الحجاز والحرمين الشريفين، وصد البعوث والجيوش الغازية الكافرة
التي تحاول إفساده بالسيطرة عليه، ودخوله، وإخراج أهله، وتخريبه، وموقع الشام
الإستراتيجي على عتبة الديار الحجازية المقدسة، وهي المعبر البري الوحيد للجزيرة
العربية، يؤهلها لأن تكون ميدان عمليات الطائفة المنصورة والقيام بهذه الوظيفة،
ولتكون أرض جهاد ورباط إلى يوم القيامة.
8.
إن الاحتلال الإسرائيلي في الشام وبيت
المقدس، هو امتداد للحملات الصليبية-الرومية، وهو جسر عبور للسيطرة على مكة
والمدينة، وقضية المسجد الأقصى مرتبطة بشكل مباشر وعميق بقضية الكعبة المشرفة،
وزوال إسرائيل ضرورة ملحة، ليس لتحرير بيت المقدس فقط، بل لحماية الكعبة والمدينة
المنورة أيضًا، والحرب الاستعمارية الدائرة هي حرب عقيدية بالدرجة الأولى، وهي حرب
موجهة إلى الكعبة والمدينة وبيت المقدس بشكل أساسي واستراتيجي، ويمثل استمرارها
أزمة كبيرة يتحمَّل تبعاتها أطراف الأمة جميعهم.
9. الظاهر في زمننا أن الطائفة المنصورة تتمثل
بالمقاومة الفلسطينية المجاهدة المقاتلة المقتدية بهدي النبي ﷺ، التي لا تخضع لشروط الاحتلال الإسرائيلي،
ولا تسلم للنوايا الاستعمارية الغربية، وإن الدور الذي تؤديه هو دور مصيري، يحتّم
على الأمة دعمها، والوقوف معها، والذهاب في طريقها، وتبنّي مشروعها.
توصيات
الحقيقة التي لا مراء فيها أن بين يدي الأمة
ما يجلب لها الخير الذي تطلبه وترجوه، وما يدفع عنها الشر الذي يحيط بها، وهو إخضاع
الهوى والنفس، والوقت والجهد لتطبيق ما نزل به الوحي الأمين على النبي ﷺ، والوقوف على المحجة البيضاء، كتاب الله
وسنة نبيه، فعلى الأمة تكريس مبادراتها ومشاريعها بما ينسجم مع هذا الكنز الثمين
الذي فيه صلاح دينها ودنياها، وواجبها على سبيل المثال لا الحصر:
◾ إحياء وتجديد الاهتمام بالقضية الفلسطينية،
وإعادة تناولها بأنها القضية المركزية صاحبة الأولوية القصوى التي يجب أن توظف لها
الطاقات، وتأتلف من أجلها الجهود والمشاريع المؤسسية والفردية.
◾ نشر ثقافة المصير الواحد (الكعبة - المدينة -
بيت المقدس) وتسليط الضوء الإعلامي على الارتباط العقيدي المتين بين هذه المدن
المقدسة وبين جميع الأمة في حواضرها ومدنها وقراها.
◾ تربية الأجيال على روح التمسك بهدي النبي <، واعتبار جهاد المقاومين الفلسطينيين
البارزين مثالًا يحتذى، وطريقًا يرتجى، في حسن الاقتداء والاتباع لسنته ﷺ.
◾ على الحكومات توجيه الأطر السياسية والخطط
الشاملة ومقدرات الأمة نحو ما من شأنه رفض الوجود الإسرائيلي والاستعمار الغربي،
وبما ينسجم مع توجهات المقاومة الفلسطينية.
◾ على النخب الثقافية والعلمية والباحثين استشراف مستقبل المنطقة بالإيمان والنظر في قوة المقاومة وثباتها واستمرارها ونجاحها، مقابل تراجع العدو وضعفه وحتمية زواله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق