1 - 3- 2 تحليل لغة حديث الطائفة المنصورة وبلاغتها


الفصل الأول المبحث الثالث: تحليل الحديث..

المطلب الثاني: تحليل لغة الحديث وبلاغتها..

يتبين بعد معاينة النصوص الحديثية السابقة في مبحث عينة البحث، ولا سيما الروايات الموجزة، أن النبي الكريم ﷺ استخدم لغة مباشرة خالية من الرموز، والألفاظ التي يصعب فهمها، والاستخدام المفرط للمحسنات البديعية، بل كان استخدامًا متوازنًا، وجاءت الألفاظ سهلة ومتداولة على الألسن، مع قوة العبارات في وصف الطائفة بأنهم قاهرون، وظاهرون، لا يضرهم من يخالفهم، وكان أسلوب اللغة خبريًا بالمجمل، مع شيء يسير من أساليب الانشاء: كالنداء في بعضها.

والعجيب، أن هذه الصفات التي وردت بصيغة اسمي الفاعل والمفعول، هي صفات مجملة يكثر فيها الاحتمال فيمن تكون الطائفة المنصورة... بينما جاءت صفة واحدة واضحة ومباشرة، ولا تحتمل أكثر من معنى في تحديد عمل الطائفة، وجاءت بصيغة الفعل المضارع دون غيرها من الصفات

وخدمت البلاغةُ اللغوية المراد من النص، دون إحداث غموضٍ فيه، كالجناس اللفظي، والسجع في قاهرين وظاهرين، وخذلهم وخالفهم، بهدف لفتِ أذن السامع لصفات الطائفة، وجاء ذكر يوم القيامة والساعة كناية عن أشراطها الكبرى، كالريح التي كالحرير تقبض أرواح المؤمنين.

وجاء لفظ (أهل الغرب) كناية عن المكان، على أظهر الأقوال[1]، أو كناية عن عملهم الجهادي، وهذا مما جاء من المفردات والدلالات المباشرة في الحديث، أو عن العرب الذين يستخدمون الغرب -أي الدلو- في السقي، وهذا بعيد وارد.

وفي الصياغة اللفظية، وردت معظم صفات الطائفة بصيغة اسم الفاعل أو اسم المفعول، كقوله: ظاهرين، وقاهرين، ومنصورين، وقائمين[2]، وقائمة، وقوّامة، وظاهرة، ومنصورة، وعزيزة، والدين قائمًا، وظاهرًا، وجاء بعضها نادرًا بصيغة الفعل، كقوله: (يظهرون) في لفظة وحيدة من رواية المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله : «لا يزال من أمتي قوم يظهرون على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»[3]، ومثلها (ينصرون) في قوله: «فينصرون أينما توجهوا»[4]، ووردت (ينصرهم) 3 مرات كقوله: «يزيغ الله لهم قلوب أقوام وينصرهم عليهم»[5].

والعجيب، أن هذه الصفات التي وردت بصيغة اسمي الفاعل والمفعول، هي صفات مجملة يكثر فيها الاحتمال فيمن تكون الطائفة المنصورة، فهل هي، مثلًا، تقوم على الدين وتظهر وتُنصر بالعلم،أم الجهاد، أم بالعبادة، أم غير هذا؟ بينما جاءت صفة واحدة واضحة ومباشرة، ولا تحتمل أكثر من معنى في تحديد عمل الطائفة، وجاءت بصيغة الفعل المضارع دون غيرها من الصفات، تخبر عن اعتناء الطائفة بالقتال والجهاد في سبيل الله، كقوله: (يقاتلون على الحق)[6]، و(يجاهدون في سبيل الله)[7]، و(تقاتل)[8]، و(تجاهد)[9]، ولم أرَ -فيما اطلعت عليه من الروايات- كلمات مثل: مقاتلين، أو مقاتلة، أو مجاهدين، أو مجاهدة، كما جرى في معظم الصفات الأخرى.

وينوب الفعل المضارع واسم الفاعل عن بعضهما في المعنى، إذ يفيدان تكرار حدوث الفعل وتجدده، ولكن قد يعني هذا التحول الصرفي إلى أن القتال، رغم تكراره، طارئ على صفات الطائفة الأخرى الأكثر ثباتًا واستمرارية، والتي جاءت بصيغة اسمي الفاعل والمفعول لأنها أصل، وجيء بالطارئ بصيغة الفعل، وقد تكون الطائفة ظاهرة وغالبة ومنصورة دون اللجوء للقتال الذي ليس مرادًا بذاته.

وهذا كما وصفت الآية الكريمة ﴿أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ إِلَى ٱلطَّیۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰۤفَّـٰتࣲ وَیَقۡبِضۡنَۚ﴾ (الملك: 19)؛ الطيور حين ترفرف بأجنحتها عندما تطير وتحلّق، بأنهن باسطات أجنحتهن في الجو، ويقبضنهن، قال الزمخشري: «لم قيل: ويقبضن، ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل، على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة»[10].

ويُبرز هذا التحول الصرفي صفة المحاربة والمقاتلة عن غيرها، من صفات: القهر للعدو، والظهور بالحق، والقيام بالدين، والنصرة، فيلفت انتباه السامع أو القارئ إليها؛ ويضفي الاحساس بحركتها وتشكّلها.

وقالَب النص واحد من حيث الشكل، فيما رأينا من الروايات الموجزة، إذ يبتدئ بالإخبار عن ثبات الطائفة وتمسكها بالدين وأنها لن تبرح قائمة عليه، ظاهرة على الحق، ثم إنها قاهرة لأعدائها، وغالبة لهم، دون مبالاة بمن يخالفها أو يمتنع عن نصرتها، ويختم بالإخبار بأنها ثابتة على موقفها هذا، وبصفاتها المذكورة إلى أن يأتي وقت ساعتها الموعود، وانقضاء أجلها.

بينما تبدأ الروايات المطوّلة بالإخبار عن الظروف والأحوال التي ستصيب الأمة الإسلامية في حال القوة والضعف، ولا سيما الحديث عن الفتن وغوائلها، ثم تنتهي بطمأنة المسلمين بوجود الطائفة والعصابة المنصورة إلى يوم الدين، حسب القالب الذي جاءت عليه الروايات الموجزة، وتبدو العبارات مرتبة ومتدرجة، من ناحية التنظيم، في وصف ثبات الطائفة في وجودها وحتى نهايتها.

والعاطفة متوفّرة في الحديث ولا سيما في الروايات الموجزة، كقوله: «لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون»[11]، وقوله: «لا تزال طائفة من أمتي منصورين»[12]، وهي عاطفة متفائلة ومحفّزة، وتبعث على الاطمئنان بالتفوق على المدى الطويل، وتدعو في بعض العبارات إلى التحدي، ومواجهة الصعاب والمخاطر، وعدم التراجع، كما في قوله: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك»[13]، وقوله: «لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة»[14].

وأما النمط اللغوي فهو وصفيّ في الروايات الموجزة، ويخالطه النمط السردي في الروايات المطوّلة، ويهدف النمط الوصفي للإخبار عن الموصوف بإبراز صفاته، ورسم صورة ذهنية عنه، للتعرف عليه، بينما يهدف النمط السردي للإخبار عن الاحداث والوقائع التي جرت أو التي ستجري للموصوف، لنقل تجربة ودور المتكلَّم عنه إلى المخاطَبين، وغرس الفكرة لديهم وإفادتهم.


[1] انظر المطلب السابق، شرح (أهل الغرب).

[2] الحديث رقم (34). وهي رواية وحيدة وجدتها بهذا اللفظ في كتاب الفتن لنعيم بن حماد، من طريق أبي هريرة.

↩ عودة 

[3] الطبري، تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار: مسند عمر بن الخطاب، مرجع سابق. السفر الثاني، (35) ذكر خبر آخر من حديث عمر، ذكر من وافق عمر في روايته، حديث: (1154)، ص: (822). وانظر ملحق الروايات والألفاظ في آخر الكتاب، الجدول الأول: المغيرة بن شعبة، حديث: (21).

↩ عودة 

[4] انظر: ملحق الروايات والألفاظ، الجدول الرابع: أبو هريرة وشرحبيل بن السمط، حديث: (20).

↩ عودة 

[5] حديث: (37). وانظر: ملحق الروايات والألفاظ، الجدول الحادي عشر: سلمة بن نفيل، حديث: (23)، (24).

↩ عودة 

[6] الأحاديث: (6)، (13).

↩ عودة 

[7] الحديث: (20).

↩ عودة 

[8] الحديث: (12).

↩ عودة 

[9] الحديث: (21).

↩ عودة 

[10] الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشّاف، تحقيق: خليل مأمون شيحا، بيروت - لبنان، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، ط 3، (1430 ه/ 2009 م). ص: (1127).

↩ عودة 

[11] الحديث: (1).

↩ عودة 

[12] الحديث: (17).

↩ عودة 

[13] الحديث: (23).

↩ عودة 

[14] الحديث: (10).

↩ عودة 

قد تُعجبك هذه المشاركات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق