مقدمة كتاب ''الطائفة المنصورة حقيقتها ودورها".


الحمد لله الذي اصطفى من عباده بشرًا مرسلين، وجعلهم أسوة ورحمة للعالمين، وشرّف بعض البقاع والأرضين، ورفع عيسى إليه حتى حين، وصلى الله على نبي الأميين، محمد المقدم على الخلق أجمعين، الذي زويت له الدنيا، ووعد أمته ملكها، وحضّهم على حفظ الدين، ليغيظ به الكافرين.

أما بعد:

فيناقش هذا البحث مجموعة من الأحاديث النبوية، عُرفت باسم أحاديث (الطائفة المنصورة)، وهذه الطائفة، مجموعة من المسلمين مستمرة في الوجود جيلًا بعد جيل، وتبقى متمسكة بما كان عليه النبي  وصحابته الكرام، لتمثل في زمانها الطويل الأنموذج الصحيح والمقياس السليم لمن طمع بالهداية من المسلمين، وتبقى قادرة على حفظ الدين، ومواجهة أعداء الأمة الذين يكيدون لها.

وكونها لا تنقطع عن القيام بواجبها ودورها في الأمة، فهي بلا ريب موجودة في زمننا الحاضر، وإنّ الكشْف عن هويتها، وتعيين موقعها، وبيان حقيقتها، يشكل ضرورة ملحة، وحاجة ماسة للعرب وللمسلمين جميعًا؛ لأنها تمثل مشروع نهضة حاضر، ومبادرة قائمة ومندفعة في وسط فوضى من الأفكار والمبادرات والآراء المختلفة في الأصول التي تطلع علينا من كل حدب وصوب، دون مراعاة لما هو صالح أو فاسد من هذه الأفكار، ولا ما هو ناجح، أو فاشل، أو ما هو دائم، أو منقطع.

ولا تزال أحاديث (الطائفة المنصورة) تشغل بال العلماء والباحثين، ساعين إلى تحديد صفات أفرادها، وطبيعتهم، وهويتهم، ومكان وجودهم، وطرق التعرف عليهم، ولا يزال في الأمر أخذ وجذب، ومد وبسط.

وأبناء الإسلام في زمننا، أشد افتقارًا إلى مشروع نهضة متمكّن، يثمر عنه قيادة ناجحة وحكومة صالحة قائمة على تعاليم الإسلام السمحة الحنيفة، وهم يعيشون اليوم في ظل تطويق «غربي» مريع لم يحدث من قبل، لتضييق أي فسحة مكانية أو زمانية تتيح للمسلمين أن يتنفسوا دينهم وينهضوا به.

ومما يزيد في أهمية هذه الدراسة، أن بعض المسلمين يظنون أنهم في حقبة “تيه وشتات” إسلامي، فيحاولون استلهام التجربة الغربية “التنويرية” بناءً على النظرة المدنية المادية بعيدًا عن الخصائص الروحية التي تتميز بها أمة العرب والمسلمين

وهو تطويق شامل وعنيف، على المستويات السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، واختص المستوى العسكري بوجود «فأر التجارب» وحسّاس النهضات والتمردات، كيان الاحتلال اليهودي الذي يرصد نبضات القوة والاندفاع نحو التحرر، ويكشف أي مظهر أو استعداد للنهضة والعودة، من خلال إثارة النزاعات التي تفقد المجتمع المسلم توازنه، والمجتمع العربي على وجه التحديد.

ويعود هذا الاحتراز والتخوف الأمني الغربي المتمثل باستخدام كيان الاحتلال اليهودي كأداة بديلة عن وجودهم المباشر إلى إدراكهم بعد تجربة لقوة «الجهاد» في سبيل الله، وهو القوة القادرة على هزيمتهم، وإحداث منفذ في هذا التطويق المحكم، وتعطيل مخططاتهم واجبارهم على التراجع.

أهمية البحث

نلمس أهمية البحث في أحاديث الطائفة المنصورة من خلال انتشارها بين الخاصة والعامة، ليس في أيامنا فحسب، بل على مدى التاريخ الإسلامي، ولا يكتفي البعض بالكلام أو البحث فيها، بل يدعي حصر صفاتها بأهل مذهبه، أو جماعته، أو مجتمعه، وهي ظاهرة نلمسها في واقعنا المعاصر.

واهتمام المتقدمين والمتأخرين، وادعاءات بعض المعاصرين يبرز لنا ضرورة وجود توصيف دقيق وعميق لهذه الطائفة، يعين في تحديد معالم الاهتداء لمن يبحث عن الهداية، وفي تقديم مشروع إنقاذ للأمة يمثل رؤية استشرافية دينية لصناع القرار، والقادة، والنخب، والأفراد في العالم العربي والإسلامي، من أجل مواجهة التحديات الاستراتيجية الخطيرة التي تحيط بالأمة الاسلامية وبالعنصر العربي على وجه الخصوص، وذلك عبر القراءة المتمعنة لأحاديث الطائفة المنصورة، ومناقشة أقوال الأئمة والعلماء فيها.

ومما يزيد في أهمية هذه الدراسة، أن بعض المسلمين يظنون أنهم في حقبة “تيه وشتات” إسلامي، فيحاولون استلهام التجربة الغربية “التنويرية” بناءً على النظرة المدنية المادية بعيدًا عن الخصائص الروحية التي تتميز بها أمة العرب والمسلمين، وهم بهذا لا يدركون الحقيقة القائمة على أننا نحن المسلمين نملك ما لا تملكه أي أمة بشرية أخرى، بمعنى آخر: بين أيدينا القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة الثابتة، ولا يجدر بنا أن نزيغ عنهما، وأن ديننا وتاريخنا يضرب في أعماق ثقافتنا، وليس من السهل الانفصام عن ذلك، وليس بالضرورة أن ينطبق علينا ما جرى على أمم غيرنا، وإن كان التقليد أمرًا سهلًا.

سبب اختيار البحث

إن الإيمان بوجود الطائفة المنصورة لا يكفي وحده لطلب نصر الله لنا، فنصر الله يأتي، بعد الإيمان به، بعمل متوافق مع شرع الله عز وجل، والطائفة تمثل بوصلة لتصويب اتجاه هذا العمل وحركته، لإخبار النبي ﷺ أنها لا تزال على الحق حتى يوم القيامة.

ولم أر فيما وقع بين يديّ من مؤلفات وشروحات ومقالات ما يروي عطشي، ويشبع حاجتي في الإجابة عن تساؤلات كانت تراودني عند المطالعة، ولم أجد أن ما انتهت إليه من نتائج كفيل بترشيد البحث عنها في زمننا، وتوجيه الأضواء إليها في ظل الغموض الذي يلف هويتها، ويدفع المؤمنين للانتماء إليها، ودعم اتجاهاتها.

وكانت بداية البحث، في وقت امتد قرابة عام ونصف مكثت فيه أقرأ في أحاديث آخر الزمان، ولم يكن الغرض من هذه المطالعة الشغوفة، التشوق لرسم المخيلات والقصص من الأحداث العظمى المستقبلية التي أخبر عنها النبي ﷺ، بقدر ما كان محاولة لإدراك النجاة من فتن هذا الزمن الأدهم، ومعرفة ما أرشد إليه  المؤمنين لتجنب تعرجات هذه الحياة.

وتحول السؤال الكبير والإشكالية التي يسعى البحث إلى حلها إلى سؤال يرمي إلى ما هو أبعد من مجرد معرفة من هم، وهو: ما الدور الذي تقوم به الطائفة المنصورة والذي أكسبها تلك الأهمية النبوية؟

فأدركت -خلال مطالعتي- أن أحاديث الطائفة المنصورة تمثل واحة خضراء وسط أحاديث الفتن والملاحم، وعندما خصصت وقتي للقراءة في أحاديث الطائفة، وجدت أن كثرة التفسيرات، ولا سيما في المؤلفات المعاصرة والمتأخرة، تثير نوعًا من الإبهام والغموض حول حقيقتها، ومواصفاتها، ومكان وجودها، دون مراعاة أحيانًا لما هو موافق أم لا لدلالات الأحاديث الشريفة.

ولأن هذا الأمر كان محيرًا وشائكًا بالنسبة لي، عَمَدت منذ ذلك الحين، منذ عام 2013م، أكرّس ما أتيح لي وتيسر من وقت لدراسة أحاديث الطائفة المنصورة، وإن كان وقتًا متقطعًا فإنه لم يثنني عن التفكر والتأمل فيها بشكل مستمر.

معيقات البحث

وما أرّقني -في بادئ الأمر- أن البحث يحتاج إلى التنقيب في مكتبة ضخمة تكون متاحة ومتيسرة، والرجوع إلى مصادر حديثية كثيرة قد لا يكون بعضها متوفرًا، ويحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وأيضًا عدم توفر جهة متخصصة سواءً كانت أفردًا أم مؤسسات تتبنى الإشراف والتحقيق في دراسة البحث، ولا سيما أن البحث يخوض في مسألة مُختَلَف فيها، ولكن بفضل اختراع الشابكة (الإنترنت)، صار الوصول إلى المعلومات من مراجعها ومصادرها أيسر، والجهد والوقت أقل[1].

وما يشفع لي الاجتهاد في العلم الشرعي -وأنا لست متخصصًا فيه- قول ابن تيمية رحمه الله: «وكذلك العامّي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزي والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز»[2].

مشكلة البحث

ودارت أسئلة كثيرة ومتعددة في الذهن لمحاولة التحقق من هوية الطائفة المنصورة، وصفاتها، وتسميتها عبر تاريخها الطويل، وكان السؤال الكبير في البداية: من هم؟ وما حقيقتهم واختصاصهم؟ هل هم مجاهدون أم علماء، أم عبّاد، أم غير ذلك، أم ذلك كله؟

وأثناء التأمّل والتفكير والمناقشة، تكشَّفت بعض الإجابات، فنتجت عن ذلك أسئلة أخرى أعمق، وأكثر أهمية، وارتباطات موضوعية أوسع وأضخم، مما وسّع من نطاق البحث، وزاد من العبء والمسؤولية، واستدعى ذلك المضي في إعمال النظر والاستقصاء بغية عرض المسألة بجميع أبعادها.

وتحول السؤال الكبير والإشكالية التي يسعى البحث إلى حلها إلى سؤال يرمي إلى ما هو أبعد من مجرد معرفة من هم، وهو: ما الدور الذي تقوم به الطائفة المنصورة والذي أكسبها تلك الأهمية النبوية؟ وحتى يتسنى البحث والسبر في خبايا وأسرار الحديث الشريف، والإجابة عن هذا السؤال، طرحت الأسئلة التالية:

∎       ماذا أخبر النبي  عنها وعن أفرادها؟

∎       كيف هم؟

بماذا وصف أفرادها؟ وهل أخبر عن عددهم؟ وعن جنسهم: رجالًا، أم نساءً، أم كلاهما؟ وهل أخبر عن أعمارهم؟ وطريقة عيشهم؟ هل أخبر عن قادة أو زعماء لهم؟ وعن طبيعة عملهم وصناعتهم؟ وعن عقيدتهم أو مذهبهم؟

∎       وعن ظروفهم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والعسكرية؟

هل أخبر إن كانوا فقراء أم أغنياء؟ ضعفاء أم أقوياء؟ يعيشون في حالة سلم أم في حرب؟ متحدون أم متخاصمون؟ جاهلون أم متعلمون؟ هل هم كل الأمة أم جزء منها؟ مجتمعون أم متفرقون؟ وهل تتغير ظروفهم أم أنها دائمة وثابتة؟ وما أثر ذلك عليهم؟

∎       هل لهم حدود مكانية أو زمانية؟

هل يعيشون في مكان واحد أم في عدة أماكن؟ وهل للمكان أثر في دورهم؟ وهل له أهمية استراتيجية جغرافية أو دينية؟ وما طبيعة الاستمرار الزماني للطائفة؟ وهل تحافظ على جميع صفاتها مدة بقائها الطويل؟ وهل للزمان أثر في دورها؟

∎       من يمثلهم عبر التاريخ؟

أين هم الآن؟ ما مقومات وجودهم وبقائهم؟ من أنصارهم؟ ومن أعداؤهم؟ وما عوامل نجاحهم أو فشلهم؟ من يحمل صفاتهم عبر التاريخ للأمة؟ وإلى أي مدى هم متفقون أو مختلفون؟

∎       ما الدور الذي يقومون به؟

هل قاموا بالدور نفسه خلال تاريخهم؟ وهل سيستمر هذا الدور معهم بالمواصفات نفسها؟ ما خصائص هذا الدور؟ وهل هو دور واحد أم متعدد؟ داخل الأمة أم خارجها؟ ثابت أم متغير؟ إقليمي أم عالمي؟

فرضيات البحث

ووضع الباحث عدة افتراضات بهدف اختبارها ومعرفة الافتراض الصائب من الخاطئ، وهي:

∎       إنهم مجاهدون يحمون المقدسات من الاستيلاء والهدم.

∎       إنهم مجاهدون يدافعون عن مجموع المسلمين في كل مكان.

∎       إنهم مجاهدون يحققون انتصارًا عظيمًا غير مسبوق على الأعداء.

∎       إنهم علماء يعلِّمون الناس تخصصات العلوم الشرعية من فقه أو حديث أو عقيدة.

∎       إنهم علماء يعلِّمون الناس أساسيات العلم الشرعي الواجب دون تخصص.

∎       إنهم علماء يردُّون بالحجج الدامغة على الشبهات التي يطلقها البعض حول الاسلام.

∎       إنهم مجاهدون، أو علماء، أو كلاهما ينشرون الإسلام في أماكن جديدة.

∎       إنهم مجاهدون، أو علماء، أو كلاهما يواجهون عدوًا محددًا أو أن لهم مواجهة محددة حاسمة.

∎       إنهم زهاد وعباد يحضّون الناس على العبادة وفق ما أمر، ويفتح الله عليهم.

∎       إنهم صُنّاع ومبتكرون يرفعون من مركز الحضارة الإسلامية بين الحضارات الأخرى بإنجازاتهم المبتكرة.

∎       إنهم متعددو التخصصات والوظائف، ويختلفون فيها حسب مهاراتهم، وقدراتهم، ومكانهم، وزمانهم.

∎       إنهم مسلمون من إحدى الفئات المذكورة آنفًا، يحققون خدمة أو إنجازًا مفيدًا ومهمًا للبشرية جمعاء.

وتُقبل هذه الفرضيات إن كانت تتفق مع دلالات وألفاظ الحديث الصريحة من طرقها الصحيحة، ومع ضوابط الشرع الحنيف، دون أن تتعارض روايات الحديث فيما بينها، وعدم تعارضها مع آيات القرآن الكريم أو مع أحاديث صحيحة أخرى أو مع العقل الصريح.

حدود البحث

وحدود البحث مرتبطة بدراسة متن أحاديث الطائفة المنصورة في كتب الحديث والسنة، وما يتصل بهذه الأحاديث في موضوعها من آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، وأقوال العلماء، ويهتم البحث في شرح وتحليل الحديث، والنظر في ألفاظه وغريبه، ومعانيه ودلالاته، وما وراء ذلك من مضامين وقرائن واستدلالات نقلية وعقلية تثري الحقائق وتجلي الدقائق.

ويُعنى البحث بدراسة عدد طرق الحديث، وتخريجها بجمع طرق حديث الصحابي الواحد، للاطمئنان على صحتها وضعفها، ويعزو الأحاديث المذكورة فيه إلى مصدر أو أكثر مع الإشارة إلى رأي علماء الحديث والمحققين في صحتها وثبوتها، وإن كانت أحاديث الطائفة المنصورة متواترة وثابتة كما سيأتي بيانه.

ولا يُعنى البحث بالحكم على الأشخاص والجهات في تعيين من تكون الطائفة المنصورة في هذا الزمن، وإنما يكتفي بذكر أوصافها وفق دلالات الحديث الشريف، ورأي العلماء فيمن تكون عبر الزمن.

أهداف البحث

وللوصول إلى حلول وإجابات مقنعة، وَضعتُ الأهداف التالية لتحقيقها من الدراسة والتحليل لأحاديث الموضوع:

1.     توضيح دلالات الألفاظ، والمعاني، والأشخاص، والأماكن الواردة في الحديث.

2.     بيان الأسلوب والنمط اللغوي والبياني للحديث لتحديد سياقه.

3.     شرح الحديث وتصنيف عباراته حسب انسجامها مع السياق.

4.     التعريف بهوية الطائفة المنصورة، وطبيعة أفرادها، ودورهم.

5.     وصف الظروف الحياتية (الاجتماعية والسياسية وغيرها) التي يعيشون فيها.

6.     تحديد مكان وزمان وجودهم ومدى الارتباط بدورهم.

7.     تتبع تاريخي واستشراف مستقبلي مرتبط بدورهم.

8.     الكشف عن خصائص هذا الدور وإبراز أهميته وضرورته.

الدراسات السابقة

لقد وقفت كثير من الأبحاث والدراسات التي اعتنت بأحاديث (الطائفة المنصورة) عند نقل أقوال العلماء وتفسيراتهم المختلفة فيمن تكون هذه الطائفة، دون ترجيح رأي على آخر من خلال التحقق من أوصافها في الحديث الشريف، ولم تذكر كثير من الدراسات دور الطائفة المنصورة، وما هو سر تميّزها وتفوّقها على غيرها من الطوائف والفئات، وناقشت الدراسات مكان الطائفة المنصورة، فأشار بعضها إلى مكان معين لها، وذهب بعضها الآخر إلى أن وجودها محتمل في أي مكان من دار الإسلام، ولا يزال في الأمر متسع للدراسة والإيضاح، ومن الدراسات التي اطلعتُ عليها:

(رسائل الغرباء) لسلمان العودة

تكلّم الدكتور سلمان العودة في سلسلة (رسائل الغرباء) حول الطائفة المنصورة، ولا سيما في الكتابين الثاني والثالث منها، وهما: كتاب (صفة الغرباء)، وكتاب (من وسائل دفع الغربة)، حيث انطلق الكاتب من حديث: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ»[3]، فتناول الغربة «المعنوية» التي تعيشها الأمة الإسلامية ضمن دوائر ثلاث يشملها وصف الغربة، واعتبر الطائفة المنصورة دائرة منها، ونظّم الدوائر إلى: الدائرة الكبرى التي يمثلها المسلمون جميعًا في الأرض، وهم غرباء بين الأمم الكافرة، ويليها الدائرة الثانية، أضيق من الأولى، وسمّاها الكاتب دائرة «الفرقة الناجية» التي تعيش غربة وسط الأمة الإسلامية التي اجتاحتها الأهواء، وفرّقت وحدتها النزاعات، ثم دائرة الطائفة المنصورة، أضيق الدوائر، التي تقوم بفروض الكفايات الكبرى عن الأمة، كما عبّر عنها المؤلف.

وناقش العودة دور الطائفة المنصورة في دفع الغربة من جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الدعوة إلى الإسلام)، ومن جانب قيامها بواجب الجهاد في سبيل الله، وأكّد على أن بقاء الأمة مرتبط باستمرارية بقاء الطائفة المنصورة، وباستمرار قيامها بدورها الخطير على مستوى وجود الأمة أو فنائها، وأنها «أمان» للأمة كلها من الاستئصال والهلاك.

ولم يَفُتني اعتماد منهج الأئمة والعلماء المسلمين في شرح الحديث الشريف بالقرآن الكريم، وشرح الحديث بالحديث، والعودة إلى كتب الشرح المعتبرة، وتقديم شرح الراوي على غيره، وذكر سبب ورود الحديث وزمنه، وألا يقول الباحث بقول ليس له به إمام.

ولم يحدّد العودة الفئة التي يمكن أن تنتمي إليها الطائفة المنصورة، ولم يرجح قولًا من أقوال العلماء فيها، واعتبر أن لها عدة أدوار تقوم بها: جهادي، وعلمي، ودعوي.

وما أضفته في بحثي هذا، أنني ناقشت أقوال العلماء، ونظرت إن كان لها أقوال أخرى سابقة تؤيدها أم لا، وميّزت بينها وفق موافقتها لدلالات الحديث أو عدمه، وبحثت إن كانت الطائفة كل الأمة أم بعضها، وهل تمثل فئة واحدة أم أكثر، وإن كان لها دور واحد أم أكثر، وما خصائص دورها وما أثر المكان والزمان عليه؟

(رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة) مجلة البيان

قدمتْ مجلة البيان في كتيّب (رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة) نصائح ووصايا للمجاهدين في بيت المقدس، واعتبرتْ أنهم يمثلون طلائع الطائفة المنصورة في زمننا، وشرحت الصفات التي يجدر أن يحملها من يمثل الطائفة المنصورة، ومن يسير في طريق الجهاد في سبيل الله، وخصوصًا مع وجود شعارات أخرى علمانية ومذهبية مختلفة تقوم بالمقاومة في فلسطين، ودعت المجاهدين إلى تطبيق مفهوم الجهاد الشرعي -حسب وصف الدراسة-، وإلى التمسك بمنهج الطائفة المنصورة القائم على التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية.

ولكن لم تقدم الدراسة الأدلة التي تبين أن الطائفة المنصورة هي المجاهدون في سبيل الله، وليس غيرهم، ولماذا هم في بيت المقدس وليس غيرها من البقاع.

(الطائفة المنصورة في بيت المقدس) محمود الشوبكي ويوسف البراوي

في بحث نشرته مجلة الجامعة الإسلامية في قطاع غزة بعنوان (الطائفة المنصورة في بيت المقدس) لمحمود الشوبكي ويوسف البراوي، خلص معدّا البحث إلى أن الطائفة المنصورة هي كل جماعة أو طائفة التزمت الكتاب والسنة، وابتعدت عن الشهوات والشبهات والبدع سواء أكان في: العقائد، أم العبادات، أم المعاملات، وإن أفرادها هم من يتمسكون بالكتاب والسنة، ومن يقومون على الحق بأمر الله تعالى، ويجاهدون في سبيل الله ويقاتلون، وهم صابرون مصابرون، وأن بعض الأحاديث عامة لم تحدد مكان تلك الطائفة، ولكن البعض الآخر حدد أنها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وهم في الشام.

ولم يتعمق البحث في تعريف دور الطائفة المنصورة، ولم يبين هل هي في بيت المقدس دون غيرها من البقاع كما يشير العنوان أم أنها منتشرة في الأماكن المختلفة؟ ولم يناقش أقوال العلماء المختلفة في شأن الطائفة المنصورة. 

(الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر) عبد العزيز بن ناصر الجليّل

اعتبر الكاتب عبد العزيز بن ناصر الجليّل في كتابه (الطائفة المنصورة وواقعنا المعاصر) أن الطائفة المنصورة هي مجموعة فئات: فئة العلماء العاملين القائمين بجهاد الحجة، وفئة المجاهدين في الثغور، وفئة المحتسبين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، وفئة الدعاة والمربين، وفئة المناصرين والمحبين للفئات السابقة.

ونبّه الكاتب مرارًا أن على المسلمين تحديد موقفهم من الطائفة المنصورة في ظل الصراع التي تواجهه الأمة مع قوى الكفر في العالم.

ولم يوضح الكاتب الأساس الذي بنى عليه تقسيم فئات الطائفة، ولماذا هذه الفئات دون غيرها، وكيف أشارت دلالات الحديث إليها، ولم يبين دور الطائفة المنصورة في صراعها مع قوى الكفر.

منهج البحث

وقد استقرأتُ في دراستي هذه، ووصفتُ، وحلّلت، وأحصيت، وعدت لأحداث تاريخية محددة ومرتبطة بموضوع الدراسة للوصول إلى نتائج مدعومة بأدلة معتبرة، فتبعتُ المنهج الاستقرائي في تتبع روايات الحديث المختلفة من مصادرها، وحدّدت عينة منها للشرح، بحيث تكون شاملة للألفاظ والعبارات، وتتبعت أقوال العلماء والفقهاء المتقدمين والمتأخرين في وصف الطائفة والتعريف بها، ثم صنّفت هذه الأقوال وناقشتها، وبيّنت ما هو أصيل ممتد مما هو عارض متأخر.

واستخدمتُ المنهج التحليلي في قراءة الحديث، وشرح ألفاظه، ومناقشة أفكاره، وأسلوب لغته ونمطها، وبلاغتها، والعاطفة المستوحاة منها، وبيان أجزائها ووحداتها وارتباطها وسياقها، مع تحديد الإطار المكاني والزماني للحديث، والتعريف بالأشخاص والأماكن، واستخراج المعنى الإجمالي والفكرة العامة، وبيان مناسبة ورود الحديث، بهدف رسم صورة واضحة عن الطائفة المنصورة، والحكم العام عليها.

واستعنت بالمنهج الإحصائي لتعداد ألفاظ الحديث، ومرات تكرار اللفظة الواحدة وشواهدها في الروايات المختلفة، فصنّفتُ البيانات والألفاظ، ورتبتها حسب طرقها ورواياتها، وفسّرتُ دلالات التكرار لقياس احتمالية ثبوت اللفظة عن النبي  وأصالتها، حسب عدد الطرق وعدد مرات التكرار في الطريق الواحد، وللاستفادة في تحديد فهم الرواة للحديث من خلال ما نقلوه من الألفاظ.

وتناولتُ في المنهج التاريخي أهمية حديث الطائفة المنصورة عبر التاريخ الإسلامي، وتحديد أبرز المعالم والأحداث التاريخية التي مرَّت بها الطائفة، ومقارنتها بالواقع، واستشراف مستقبلها، ورسم خط سير زمني لها، ومقارنة أدائها في تنفيذ وظيفتها بين حقبة زمنية وأخرى، واختبار نجاحها وفشلها، وتتبع أصولها ومصدر انطلاقها، وميدان عملها، وتحديد خصومها وسيرتهم التاريخية.

ولم يَفُتني اعتماد منهج الأئمة والعلماء المسلمين في شرح الحديث الشريف بالقرآن الكريم، وشرح الحديث بالحديث، والعودة إلى كتب الشرح المعتبرة، وتقديم شرح الراوي على غيره، وذكر سبب ورود الحديث وزمنه، وألا يقول الباحث بقول ليس له به إمام.

فدرست (369)[4] رواية، منها الموجز المقتضب، ومنها المستفيض، ونظرت في شرحها، وألفاظها، ولغتها، وسياقها بغية الوصول إلى ما ينشرح به الصدر وتطمئن له النفس في فهم الحديث، ثم إنني درست جميع الروايات في سياق وموضوع واحد، كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «إن المتعيّن على من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها، ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق، ويشرحها على أنه حديث واحد، فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث»[5]، وقال رحمه الله: «الأحاديث إذا ثبتت وجب ضم بعضها إلى بعض؛ فإنها في حكم الحديث الواحد، فيحمل مطلقها على مقيدها، ليحصل العمل بجميع ما في مضمونها، وبالله التوفيق»[6].

خطة البحث

رأيت تقسيم هذا البحث إلى فصلين اثنين ومقدمة وخاتمة، وذلك وفق الخطة التالية:

∎       الفصل الأول: التعريف بأحاديث الطائفة المنصورة، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: تواتر الحديث.

المبحث الثاني: عيّنة البحث، وفيه ثلاثة مطالب: الأول: الروايات الموجزة، والثاني: الروايات المطوَّلة، والثالث: الروايات المرسلة.

المبحث الثالث: تحليل الحديث، ويحتوي خمسة مطالب: الأول: شرح ألفاظ الحديث ودلالاتها، والثاني: تحليل لغة الحديث وبلاغتها، والثالث: زمن ورود الحديث ومناسبته، والرابع: السياق الموضوعي للحديث وغرضه، والخامس: المعنى الاجمالي للحديث.

∎       الفصل الثاني: حقيقة الطائفة المنصورة ودورها، وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول: منهج الطائفة واتباعها للسنة.. واهتمام السلف بذلك.

المبحث الثاني: دورها الجهادي، وفيه ثلاثة مطالب: الأول: الأقوال والأدلة في أنها المجاهدون، الثاني: القول بأنها فئة العلماء ومناقشته، والثالث: إشكالية القول بأنها فئة العلماء.

المبحث الثالث: تعيين مكانها بالشام، وفيه ثلاثة مطالب: الأول: الأحاديث التي عينت مكان الطائفة، والثاني: أقوال العلماء في تعيين مكانها، والثالث: دلالة تعيين الشام مكانًا للطائفة.

المبحث الرابع: صفات الطائفة المنصورة.

المبحث الخامس: من هي في زمننا؟

المبحث السادس: وظيفة الطائفة المنصورة في صد البعوث، وفيه ثلاثة مطالب: الأول: أخطر الهجمات على الإسلام، والثاني: سياق الآيات، والثالث: البعوث التي تغزو البيت.

ثم الخاتمة.

 

آملًا أن ينفع الله به، كل من قرأه، وأن أكون قد وُفقتُ في عرض الحقائق، وما ذهبتُ إليه من اجتهاد، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله الموفق فإنه إذا وفق يسّر أسبابًا.

 

حُرّر بتاريخ 06-10-2019م
معتز حبيب أبو الهيجاء
إربد - الأردن





[1] من المواقع التي استخدمها في البحث والاستقصاء:
موقع الشبكة الإسلامية: https://www.islamweb.net/ar
ومكتبته وموسوعته الحديثية: https://library.islamweb.net
جامع السنة وشروحها: http://www.hadithportal.com
الدرر السنية: https://dorar.net
الإسلام سؤال وجواب: https://islamqa.info
طريق الإسلام: https://ar.islamway.net
وشبكة مشكاة الإسلامية: https://www.almeshkat.net
بيت الإسلام: https://islamhouse.com/ar
إضافة إلى الموسوعة الشاملة الغنية عن التعريف، وغيرها من المكتبات والموسوعات الضخمة المتاحة.

[2]ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، (1425 هـ/ 2004 م)، ص: (20/204).

[3]مسلم، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، المملكة العربية السعودية، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، دار السلام للنشر والتوزيع، ط 2، (1421 ه/ 2000 م). كتاب الإيمان، باب: بيان أن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، وإنه يأرز بين المسجدين، حديث: (372)، ص: (74).

[4] جمعتها من مواقع البحث المعتبرة على الشابكة ولا سيما موقع (إسلام ويب) المملوك لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، وعزوت عددًا كبيرًا منها إلى مظانّها ومصادرها المطبوعة، وسيجد القارئ كثيرًا منها في هذا البحث مع عزوها، وجميعها مجدولة حسب رواتها من الصحابة في ملحق الروايات والألفاظ في آخر الكتاب.

[5] ابن حجر، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون، الجمهورية العربية السورية، دار الرسالة العالمية، ط 1، (1434 ه/ 2013 م). كتاب الأنبياء، باب: قوله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)، ص: (10/224).

[6] المرجع السابق، كتاب الرقاق، باب: قول النبي ﷺ: (ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبًا)، ص: (20/87).


قد تُعجبك هذه المشاركات:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق